تربية الولد عند الإمام الغزالي :
- إن عملية التربية قد تبدو سهلة لدى البعض ، لكن من يدرك معنى القول " إن الوزر الذي يرتكبه الولد هو في رقبة القيّم عليه " يرى أن تربية الولد ليست بالعملية البسيطة ، وهي تحتاج إلى معرفة وتعمق بالأسس والقواعد التي يجب أن تتبع في عملية التربية . من هذا المنطلق لا بد من التركيز على بعض الآداب التي يجب أن يتلقاها الولد في مرحلة بناء شخصيته ومنها التالي :
- صيانته : يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الكلام ، ويحفظه من قرناء السوء ، ولا يعوّده التنعم ، ولا يحبب إليه الزينة والرفاهية فيضيع عمره في طلبها . بل ينبغي حسن مراقبته ، وأول ذلك ظهور الحياء عليه ، فإنه إذا كان يحتشم ويستحي ويترك بعض الأفعال ، فليس ذلك إلا لإشراق نور العقل عليه . فالصبي المستحي لا ينبغي أن يهمل ، بل يستعان على تأديبه بحيائه أو تمييزه .
- الآداب المطلوبة : أول ما يغلب عليه من الصفات شره الطعام ، فينبغي أن يؤدب فيه مثل ان لا يأكل إلا بيمينه ، وان يقول بسم الله عند أخذه ، وأن يأكل مما يليه ، وأن لا يبادر إلى الطعام قبل غيره ، وأن لاينظر إليه ولا إلى من يأكل ، وأن لا يسرع في الأكل ، وأن يجيد المضغ ، وأن لا يوالي بين اللقم ، ولا يلطّخ ثوبه ،ويقبّح عنده كثرة الأكل ، وأن يحبب إليه الإيثار بالطعام وقلة المبالاة به . وينبغي تعليمه القرآن وأحاديث أخبار الصالحين ومناقبهم ، لينغرس حبهم في قلبه .
- التنويه به :ومهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود ، فينبغي أن يكرّم عليه ويجازى بما يفرح به، ويمدح بين أظهر الناس ، فإن خالف ذلك مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه ، ولا يهتك ستره ولا يكاشفه، ولا سيما إذا قصد الصبي ستره، واجتهد في إخفائه . فإن اظهارذلك عليه ربما يزيده جسارة حتى لايبالي بالمكاشفة ، فإن عاد ثانياً فينبغي أن يعاتب سرّاً ولا يفتضح بين الناس ، وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه ، فلا يوبخه إلا أحياناً ، والأم تخوّفه بالأب وتزجره عن السيئات .
ويعوّد في بعض النهار المشي والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل . ويعوّد أن لا يكشف أطرافه ، ولا يسرع في المشي ،ولا يرخي يديه بل يضمها إلى صدره ، ويمنع من أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والداه . بل يعوّد التواضع والإكرام لكل من عاشره والتلطف في الكلام معهم ، ويمنع من أن يأخذ من الصبيان شيئاً بل يعلم أن الرفعة في الإعطاء لا في الأخذ ، ويعوّد أن لايبصق في مجلسه ، ولا يتمخط ، ولا يتثاءب في حضرة غيره ، ولا يستدبر غيره ، ولا يضع رجلاً فوق رجل ، ولا يعمد رأسه بساعده ، فإن ذلك دليل على الكسل ، ويمنع كثرة الكلام واليمين إن كان صادقاً أو كاذباً ، ويمنع أن يبتدي بالكلام ، ويعوّد أن لا يتكلم إلا جواباً ، وأن يحسن الاستماع لغيره ، وأن يقوم لمن فوقه ويوسع له المكان ، ويجلس بين يديه . ويمنع من لغو الكلام وفحشه ، ومن اللعن والسب ، ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك . وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء ، وينبغي إذا ضربه المعلم أن لا يكثر الصراخ والشغب ، بل يصبر وذلك من دأب الشجعان والرجال .
وينبغي أن يعلم طاعة والديه ومعلمه ومؤدبه ومن هو أكبر منه سناً . وينبغي أن لا يسامح في ترك الطهارة والصلاة ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان .
وبعد أن ذكرنا جوانب التربية والعوامل المؤثرة بها ، وألقينا الضوء على بعض الأخطاء في التربية ، وركّزنا على كيفية تربية الولد في رحاب الاسلام ، وعند الامام الغزالي ، لا بد لنا من الوقوف على أهداف التربية وامكانية تحقيقها . فما هي أهداف التربية الدينية الاسلامية ؟
* أهداف التربية الدينية الاسلامية :
إن الإسلام يعنى عناية خاصة بالروح ، لأنها المهيمن الأكبر على حياة الإنسان ، وهي الموجه إلى النور وهي صلة الإنسان بالله تعالى . والحق إن الطاقة الروحية في الإنسان هي أكبر طاقاته وأعظمها وأشدها اتصالاً بحقائق الوجود . ذلك لأن طاقة الجسم محدودة بكيانه المادي وبما تدركه الحواس ، وطاقة العقل أكثر طلاقة لكنها محدودة بالزمان والمكان ، بالبدء والنهاية ، ومحكومة بالفناء ... وطاقة الروح _ وحدها_ هي كيان الإنسان التي تملك الاتصال بالخلود الأبدي والوجود الأزلي ....
من أجل ما تقدّم تهتم العقائد كلها بأمر الروح ، وتعطيها حقها من الرعاية والتوجيه للوصول إلى الأهداف المنشودة في تربية الناشئة الدينية ، وأهم الأهداف :
1- الأهداف المعرفية : تتمثل في امداد المتعلمين بالأسس المعرفية للعقيدة السليمة ، واشباع الحاجة لديهم للمعرفة الدينية ، وامدادهم بالمفاهيم والأفكار الدينية الصحيحة وتصويب المفاهيم الخاطئة ، على سبيل المثال :
- تنمية ايمانهم بخالق الكون من خلال تغذية النزعة الجمالية فيهم .
- توجيههم إلى حب الأنبياء والرسل (ع) ، من خلال قصص الأنبياء (ع) .
-توجيههم إلى التأمل في عظمة الخالق وعطاياه ، واللجوء إليه والإطمئنان إلى رعايته سبحانه .
2- الأهداف الوجدانية : تتمثل في إشباع العواطف النبيلة لدى المتعلمين وتنمية عواطف جديدة يقوّيها الدين ، ومحاربة القيم والعواطف غير المرغوبة ، مثلاً :
- ترديد بعض الأدعية والاناشيد الدينية .
- تعويدهم القيام بأنشطة دينية والذهاب إلى أماكن العبادة .
-استثارة عاطفة التواد والشفقة نحو الفقراء والمساكين .
-الاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية .
3- الأهداف السلوكية : وتتمثل في تعويد المتعلمين على العادات الطيبة المرغوب فيها ، وتطبيق المفاهيم والأفكار الأخلاقية لتكون سلوك حياة لهم ، مثلاً :
-اكتساب الطفل بعض قواعد السلوك البسيطة مثل آداب المائدة ...
- تعلم الألفاظ التي تتردد على لسان المؤمن مثل البسملة والحمدلة ...
-التعرف إلى بعض أنواع العبادات كالصوم وغيره ، وتذكرها في أوقاتها المناسبة .
إن الأهداف السابقة لا بد من تحقيقها لبناء مجتمع وجيل مؤمن .... لكن للأسف فإن عصرنا الحالي لا يفتح لنا الآفاق للوصول إلى غاياتنا المنشودة ، بل وكأنه يشيد لنا سدوداً كثيفة محصّنة تمنعنا بنسبة كبيرة من إضاءة شموع الفضيلة ، فما هي تلك السدود التي تعيق مسيرتنا التربوية ؟
* التحديات التي تواجه التربية :
_ من أهم التحديات التي تواجه التربية ما يلي :
1- تطلعات القرن الحادي والعشرين ، حيث يكون من أهم مخرجاتها بناء الإنسان الحرّ ، وتحقيق
نضج الفرد المتعلم في مختلف مستوياته العقلية والجسمية والاجتماعية والانفعالية والروحية .
2- الاعتراف بالواقع المعاصر، وهو هزال في بناء الثقافة العامة والمكتسبات المعرفية ، وتخلخل
الابداعات ، وعدم رعاية الكفاءات في الاداب والفنون .
3- تحدّي الانفتاح : إن تطور سبيل الاتصال والتواصل جعلت الانفتاح أمراً حتمياً لا بد من التعامل
معه .
4- تحدّي تجاوز أمراض البيروقراطية .
5- تحدّي المؤسسة : من خلال وضع مخطط تربوي جديد مستند إلى الماضي لبناء مستقبل النظـام
التربوي لبناء إنسان القرن الحادي والعشرين .
6- تحديات الإدارة التعليمية : توافر بيئة تربوية معلمة ، توافر مربين متميزين يعيشون بين الطلبة .
7- تحديات تربوية وأسرية : كيفية تربية الأبناء في هذا المجتمع الجديد بعولمته الجديدة . يعيش الإنسان
تحديات معاصرة قد تزول أمامها شخصيته ، وأهمها كيفية التربية والتعامل مع الأبناء الذين يواجهون هذا العالم بتغيراته الكثيرة .
8- تحديات تواجه المثقف العربي ناشئة عن الأزمة الكلية للأمة العربية نذكر منها : وجود نظم تربوية
متناقضة – آثار الغزو الفكري والثقافي ..
ولعل أهم التحديات ومختصرها تكمن في معنى العولمة ، وما تضفيه هذه الأخيرة على أفكار ونفوس الشباب . فما هي العولمة ، ومـا علاقتها بالتربية ؟
* العولـمـة والتربية :
تسمّى العولمة globalization ، وتعني لغوياً الشيء أو المفهوم أو القيمة أو السلعة أو الموقف وتوسيع دائرته ، ودائرة تأثيره لتشمل كل الكرة الأرضية .
وقال " برهان غليون " : " العولمة هي ديناميكية جديدة تبرز داخل العلاقات الدولية من خلال تحقيق درجة عالية من الكثافة والسرعة في عملية انتشار المعلومات والمكتسبات التقنية للحضارة ..."
ويمكن تلخيص العولمة في كلمتين : كثافة انتقال المعلومات وسرعتها إلى درجة أصبحنا نشعر بأننا موجودون في قرية كونية village global .
وبالرغم من ذلك فإن للعولمة سلبيات وايجابيات لا بد من إلقاء الضوء عليها :
1- سلبيات العولمة : أوضح أحد فلاسفة الغرب المعاصرين محذراً من العولمة قائلاً : " إذا كانت البراءة تظهر في عموميات العولمة ، فإن الشياطبن تختبىء في تفاصيلها ".
وقد أثرت العولمة على التحولات الإجتماعية في الإنسانية منها : الانتقال من سحر الطبيعة إلى التكنولوجيا ، والانتقال من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية ... والانتقال من انحراف اجتماعي إلى افراز تكنولوجي ، ومن حضارات زراعية إلى حضارات تكنولوجية معرفية .
كما ظهرت آثار العولمة السلبية من الناحية الاخلاقية والتربوية ، على سبيل المثال في العمل على الاستنساخ ، وأطفال الأنابيب ، او التلقيح الصناعي ، حيث قضت تلك الظاهرة على مشاعر الأبوة والأمومة
الحقيقيتين ، وابتعد العالم بالتالي عن الأسس التربوية والدينية .
ومن أهم الآثار السلبية التي ستعاني منها الدول النامية : ازدياد معدلات البطالة ، وتدهور مستوى المعيشة ، واتساع الهوّة بين الفقراء والأغنياء ... وعند اثارة هذه المشكلات لا يعني ذلك غياب التطور التكنولوجي الايجابي .
2-ومن ايجابيات العولمة نذكر:
- استخدام التكنولوجيا ، ونشر الكومبيوتر في كافة المدارس لتحسين الأداء التربوي لدى الطلبة وأفراد الهيئة التعليمية .
- عدم التقوقع على الذات وتوسيع الآفاق التربوية والثقافية .
- الاطلاع على آراء وتجارب وخبرات العلماء التربويين والنفسيين والاستفادة منها في مجالنا التربوي والحياتي.
-لكن هذه الاشكاليات والتحولات الايجابية والسلبية تضعنا أمام التساؤل والسؤال ، ما التقدم ؟ وأين نحن من العولمة ؟ وكما يقول بعض المفكرين : نحن أمام خطين وهما : خط كان يخشى أن يتحول الانسان إلى ما يشبه الآلة ، وخط آخر صار يخشى أن تتحول الآلة إلى ما يشبه الانسان . والبعض يعتبر العولمة نعمة تجلب معها الثروات والنمو الاقتصادي والتطور والحضارة ، فيما يحذر الآخرون من أنها نقمة تشكل خطراً عظيماً متفاقماً على الاستقرار الاجتماعي .
وفي النهاية لا بد من القول من أن العولمة باتت واقعاً لا مفر من التعامل معه ، فليست هي بالفجر البازغ ولا بالفخ الخادع ، وعلى عاتقنا تقع مسؤولية العيش في ظل ما تفرضه من قيود ، وما تتيحه من فرص .
* الخـــاتمــــة :
إن التربية تغير أثوابها باستمرار ، وهي دائماً بنت العصر الذي تولد فيه ، وفي كل عصرٍ للتربية خصوصياتها تلونها العقائد الاجتماعية والدينية والسياسية . ومن أكثر أنواع التربية انتشاراً في العالم اليوم هي التي تقول بأن التربية هي الحياة نفسها ، ويجب أن تصمم المواقف التربوية بما يشبه مواقف الحياة نفسها . لكن "هربرت سبنسر" هاجم المناهج التربوية التي كانت سائدة في زمنه ، وأكد على المفهوم النفسي للتربية من طريق جعل التربية قائمة على أسس ثابتة من علم نفس الطفل.
وقال "جون ديوي " : " إن التربية مستمرة وليست جرعة تعطى مرة واحدة وإلى الأبد ، بل هي بحاجة إلى الاستمرار ، لأن العلم لديه دائماً شيء جديد يوافينا به " .
لكن هذا الجديد الدائم يخترق جميع مجالات الحياة ، ويتدخل في مجريات الحياة اليومية ... وخاصة معجزة العصر "الانترنت" . إن هذا الاتصال البشري الهائل هو نعمة ونقمة في الوقت نفسه ، وكما أنه اسهام رائع في تنمية العقل وتثقيفه، إلا أنه أيضاً مجال لتدمير الفكر والأخلاق الانسانية ، وهنا تأتي رسالة البيت في التربية ونمو ابنائها وتوعيتهم لهذه التطورات . فعلى الاسرة أن تشجع هذا التطور ، وتنمي الاستعمال الصحيح له من جهة مراقبة هذه الاجهزة ، لمنع الفيروس الأخلاقي من بلوغ أدراج المنزل لتدمير أخلاق ابنائنا .
إن الاولاد والشباب اليوم ، أكثر تآلفاً من والديهم على الانترنت ، ولكن هناك واجب أخلاقي وتربوي على الوالدين لمتابعة أبنائهم ، ومراقبة برامجهم لحمايتهم من أخطار الإباحية . إنه غزو جديد واستعمار معاصر دون سلاح ، وإنما في الفكر والعقل والوجدان .
إذاً علينا لمواجهة قيم العولمة الوافدة الخطيرة على شبابنا ومستقبلنا ، أن نؤسس نظاماً تربوياً جديداً يعترف بالتعلم على أساس الأداء الحقيقي الفعلي المتكرر . فليس المهم كيف نعلم الفرد وأين نعلمه ، بل المهم ماذا نعلمه ونوعية اتقانه للتعلم . وحتى نستطيع ذلك لا بد من إعادة النظر برأس العملية التربوية (الأهل _ المعلم) بحيث يجب أن نفعل دور الإثنين من خلال التعاون البنّاء بينهما في سبيل مراقبة واحاطة الأبناء بالرعاية اللازمة ... عندئذ ٍنستطيع مواجهة العولمة ، وتفعيل التنمية ، والبقاء في القرن الحادي والعشرين بهوية وتجربة .
مصادر ومراجع البحث :
1-الامام الغزالي "إحياء علوم الدين "
2- عبد الرحمن بن عايد "تربية الاولاد على الآداب الشرعية"
المصدر"شبكة نور الاسلام " 10/7/2006
3-بحث بعنوان " الزوجان وجوانب تربية الأبناء _ رؤية مشتركة "
المصدر " مفكرة الاسلام " 11/7/2006
4-عماد جمال الطويل : " العولمة والانترنت " _ " الانترنت في التربية البيتية "
5-د. عبد الرازق مختار محمود " أهداف التربية الدينية الاسلامية "
6- محمد علي القضاة " الاسلام وتربية الروح "
7-عبد الرحمن تيشوري " متى نؤسس لتربية عملية مستقبلية ... لمواجهة قيم العولمة ؟ "
8- "تربية الاطفال في رحاب الاسلام " ( بحث غير منسوب )
شارك في الإعداد :
الشيخ عادل الصايغ
*
والمعلمة حنان عبد الخاالق
- إن عملية التربية قد تبدو سهلة لدى البعض ، لكن من يدرك معنى القول " إن الوزر الذي يرتكبه الولد هو في رقبة القيّم عليه " يرى أن تربية الولد ليست بالعملية البسيطة ، وهي تحتاج إلى معرفة وتعمق بالأسس والقواعد التي يجب أن تتبع في عملية التربية . من هذا المنطلق لا بد من التركيز على بعض الآداب التي يجب أن يتلقاها الولد في مرحلة بناء شخصيته ومنها التالي :
- صيانته : يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الكلام ، ويحفظه من قرناء السوء ، ولا يعوّده التنعم ، ولا يحبب إليه الزينة والرفاهية فيضيع عمره في طلبها . بل ينبغي حسن مراقبته ، وأول ذلك ظهور الحياء عليه ، فإنه إذا كان يحتشم ويستحي ويترك بعض الأفعال ، فليس ذلك إلا لإشراق نور العقل عليه . فالصبي المستحي لا ينبغي أن يهمل ، بل يستعان على تأديبه بحيائه أو تمييزه .
- الآداب المطلوبة : أول ما يغلب عليه من الصفات شره الطعام ، فينبغي أن يؤدب فيه مثل ان لا يأكل إلا بيمينه ، وان يقول بسم الله عند أخذه ، وأن يأكل مما يليه ، وأن لا يبادر إلى الطعام قبل غيره ، وأن لاينظر إليه ولا إلى من يأكل ، وأن لا يسرع في الأكل ، وأن يجيد المضغ ، وأن لا يوالي بين اللقم ، ولا يلطّخ ثوبه ،ويقبّح عنده كثرة الأكل ، وأن يحبب إليه الإيثار بالطعام وقلة المبالاة به . وينبغي تعليمه القرآن وأحاديث أخبار الصالحين ومناقبهم ، لينغرس حبهم في قلبه .
- التنويه به :ومهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود ، فينبغي أن يكرّم عليه ويجازى بما يفرح به، ويمدح بين أظهر الناس ، فإن خالف ذلك مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه ، ولا يهتك ستره ولا يكاشفه، ولا سيما إذا قصد الصبي ستره، واجتهد في إخفائه . فإن اظهارذلك عليه ربما يزيده جسارة حتى لايبالي بالمكاشفة ، فإن عاد ثانياً فينبغي أن يعاتب سرّاً ولا يفتضح بين الناس ، وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه ، فلا يوبخه إلا أحياناً ، والأم تخوّفه بالأب وتزجره عن السيئات .
ويعوّد في بعض النهار المشي والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل . ويعوّد أن لا يكشف أطرافه ، ولا يسرع في المشي ،ولا يرخي يديه بل يضمها إلى صدره ، ويمنع من أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والداه . بل يعوّد التواضع والإكرام لكل من عاشره والتلطف في الكلام معهم ، ويمنع من أن يأخذ من الصبيان شيئاً بل يعلم أن الرفعة في الإعطاء لا في الأخذ ، ويعوّد أن لايبصق في مجلسه ، ولا يتمخط ، ولا يتثاءب في حضرة غيره ، ولا يستدبر غيره ، ولا يضع رجلاً فوق رجل ، ولا يعمد رأسه بساعده ، فإن ذلك دليل على الكسل ، ويمنع كثرة الكلام واليمين إن كان صادقاً أو كاذباً ، ويمنع أن يبتدي بالكلام ، ويعوّد أن لا يتكلم إلا جواباً ، وأن يحسن الاستماع لغيره ، وأن يقوم لمن فوقه ويوسع له المكان ، ويجلس بين يديه . ويمنع من لغو الكلام وفحشه ، ومن اللعن والسب ، ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك . وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء ، وينبغي إذا ضربه المعلم أن لا يكثر الصراخ والشغب ، بل يصبر وذلك من دأب الشجعان والرجال .
وينبغي أن يعلم طاعة والديه ومعلمه ومؤدبه ومن هو أكبر منه سناً . وينبغي أن لا يسامح في ترك الطهارة والصلاة ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان .
وبعد أن ذكرنا جوانب التربية والعوامل المؤثرة بها ، وألقينا الضوء على بعض الأخطاء في التربية ، وركّزنا على كيفية تربية الولد في رحاب الاسلام ، وعند الامام الغزالي ، لا بد لنا من الوقوف على أهداف التربية وامكانية تحقيقها . فما هي أهداف التربية الدينية الاسلامية ؟
* أهداف التربية الدينية الاسلامية :
إن الإسلام يعنى عناية خاصة بالروح ، لأنها المهيمن الأكبر على حياة الإنسان ، وهي الموجه إلى النور وهي صلة الإنسان بالله تعالى . والحق إن الطاقة الروحية في الإنسان هي أكبر طاقاته وأعظمها وأشدها اتصالاً بحقائق الوجود . ذلك لأن طاقة الجسم محدودة بكيانه المادي وبما تدركه الحواس ، وطاقة العقل أكثر طلاقة لكنها محدودة بالزمان والمكان ، بالبدء والنهاية ، ومحكومة بالفناء ... وطاقة الروح _ وحدها_ هي كيان الإنسان التي تملك الاتصال بالخلود الأبدي والوجود الأزلي ....
من أجل ما تقدّم تهتم العقائد كلها بأمر الروح ، وتعطيها حقها من الرعاية والتوجيه للوصول إلى الأهداف المنشودة في تربية الناشئة الدينية ، وأهم الأهداف :
1- الأهداف المعرفية : تتمثل في امداد المتعلمين بالأسس المعرفية للعقيدة السليمة ، واشباع الحاجة لديهم للمعرفة الدينية ، وامدادهم بالمفاهيم والأفكار الدينية الصحيحة وتصويب المفاهيم الخاطئة ، على سبيل المثال :
- تنمية ايمانهم بخالق الكون من خلال تغذية النزعة الجمالية فيهم .
- توجيههم إلى حب الأنبياء والرسل (ع) ، من خلال قصص الأنبياء (ع) .
-توجيههم إلى التأمل في عظمة الخالق وعطاياه ، واللجوء إليه والإطمئنان إلى رعايته سبحانه .
2- الأهداف الوجدانية : تتمثل في إشباع العواطف النبيلة لدى المتعلمين وتنمية عواطف جديدة يقوّيها الدين ، ومحاربة القيم والعواطف غير المرغوبة ، مثلاً :
- ترديد بعض الأدعية والاناشيد الدينية .
- تعويدهم القيام بأنشطة دينية والذهاب إلى أماكن العبادة .
-استثارة عاطفة التواد والشفقة نحو الفقراء والمساكين .
-الاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية .
3- الأهداف السلوكية : وتتمثل في تعويد المتعلمين على العادات الطيبة المرغوب فيها ، وتطبيق المفاهيم والأفكار الأخلاقية لتكون سلوك حياة لهم ، مثلاً :
-اكتساب الطفل بعض قواعد السلوك البسيطة مثل آداب المائدة ...
- تعلم الألفاظ التي تتردد على لسان المؤمن مثل البسملة والحمدلة ...
-التعرف إلى بعض أنواع العبادات كالصوم وغيره ، وتذكرها في أوقاتها المناسبة .
إن الأهداف السابقة لا بد من تحقيقها لبناء مجتمع وجيل مؤمن .... لكن للأسف فإن عصرنا الحالي لا يفتح لنا الآفاق للوصول إلى غاياتنا المنشودة ، بل وكأنه يشيد لنا سدوداً كثيفة محصّنة تمنعنا بنسبة كبيرة من إضاءة شموع الفضيلة ، فما هي تلك السدود التي تعيق مسيرتنا التربوية ؟
* التحديات التي تواجه التربية :
_ من أهم التحديات التي تواجه التربية ما يلي :
1- تطلعات القرن الحادي والعشرين ، حيث يكون من أهم مخرجاتها بناء الإنسان الحرّ ، وتحقيق
نضج الفرد المتعلم في مختلف مستوياته العقلية والجسمية والاجتماعية والانفعالية والروحية .
2- الاعتراف بالواقع المعاصر، وهو هزال في بناء الثقافة العامة والمكتسبات المعرفية ، وتخلخل
الابداعات ، وعدم رعاية الكفاءات في الاداب والفنون .
3- تحدّي الانفتاح : إن تطور سبيل الاتصال والتواصل جعلت الانفتاح أمراً حتمياً لا بد من التعامل
معه .
4- تحدّي تجاوز أمراض البيروقراطية .
5- تحدّي المؤسسة : من خلال وضع مخطط تربوي جديد مستند إلى الماضي لبناء مستقبل النظـام
التربوي لبناء إنسان القرن الحادي والعشرين .
6- تحديات الإدارة التعليمية : توافر بيئة تربوية معلمة ، توافر مربين متميزين يعيشون بين الطلبة .
7- تحديات تربوية وأسرية : كيفية تربية الأبناء في هذا المجتمع الجديد بعولمته الجديدة . يعيش الإنسان
تحديات معاصرة قد تزول أمامها شخصيته ، وأهمها كيفية التربية والتعامل مع الأبناء الذين يواجهون هذا العالم بتغيراته الكثيرة .
8- تحديات تواجه المثقف العربي ناشئة عن الأزمة الكلية للأمة العربية نذكر منها : وجود نظم تربوية
متناقضة – آثار الغزو الفكري والثقافي ..
ولعل أهم التحديات ومختصرها تكمن في معنى العولمة ، وما تضفيه هذه الأخيرة على أفكار ونفوس الشباب . فما هي العولمة ، ومـا علاقتها بالتربية ؟
* العولـمـة والتربية :
تسمّى العولمة globalization ، وتعني لغوياً الشيء أو المفهوم أو القيمة أو السلعة أو الموقف وتوسيع دائرته ، ودائرة تأثيره لتشمل كل الكرة الأرضية .
وقال " برهان غليون " : " العولمة هي ديناميكية جديدة تبرز داخل العلاقات الدولية من خلال تحقيق درجة عالية من الكثافة والسرعة في عملية انتشار المعلومات والمكتسبات التقنية للحضارة ..."
ويمكن تلخيص العولمة في كلمتين : كثافة انتقال المعلومات وسرعتها إلى درجة أصبحنا نشعر بأننا موجودون في قرية كونية village global .
وبالرغم من ذلك فإن للعولمة سلبيات وايجابيات لا بد من إلقاء الضوء عليها :
1- سلبيات العولمة : أوضح أحد فلاسفة الغرب المعاصرين محذراً من العولمة قائلاً : " إذا كانت البراءة تظهر في عموميات العولمة ، فإن الشياطبن تختبىء في تفاصيلها ".
وقد أثرت العولمة على التحولات الإجتماعية في الإنسانية منها : الانتقال من سحر الطبيعة إلى التكنولوجيا ، والانتقال من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية ... والانتقال من انحراف اجتماعي إلى افراز تكنولوجي ، ومن حضارات زراعية إلى حضارات تكنولوجية معرفية .
كما ظهرت آثار العولمة السلبية من الناحية الاخلاقية والتربوية ، على سبيل المثال في العمل على الاستنساخ ، وأطفال الأنابيب ، او التلقيح الصناعي ، حيث قضت تلك الظاهرة على مشاعر الأبوة والأمومة
الحقيقيتين ، وابتعد العالم بالتالي عن الأسس التربوية والدينية .
ومن أهم الآثار السلبية التي ستعاني منها الدول النامية : ازدياد معدلات البطالة ، وتدهور مستوى المعيشة ، واتساع الهوّة بين الفقراء والأغنياء ... وعند اثارة هذه المشكلات لا يعني ذلك غياب التطور التكنولوجي الايجابي .
2-ومن ايجابيات العولمة نذكر:
- استخدام التكنولوجيا ، ونشر الكومبيوتر في كافة المدارس لتحسين الأداء التربوي لدى الطلبة وأفراد الهيئة التعليمية .
- عدم التقوقع على الذات وتوسيع الآفاق التربوية والثقافية .
- الاطلاع على آراء وتجارب وخبرات العلماء التربويين والنفسيين والاستفادة منها في مجالنا التربوي والحياتي.
-لكن هذه الاشكاليات والتحولات الايجابية والسلبية تضعنا أمام التساؤل والسؤال ، ما التقدم ؟ وأين نحن من العولمة ؟ وكما يقول بعض المفكرين : نحن أمام خطين وهما : خط كان يخشى أن يتحول الانسان إلى ما يشبه الآلة ، وخط آخر صار يخشى أن تتحول الآلة إلى ما يشبه الانسان . والبعض يعتبر العولمة نعمة تجلب معها الثروات والنمو الاقتصادي والتطور والحضارة ، فيما يحذر الآخرون من أنها نقمة تشكل خطراً عظيماً متفاقماً على الاستقرار الاجتماعي .
وفي النهاية لا بد من القول من أن العولمة باتت واقعاً لا مفر من التعامل معه ، فليست هي بالفجر البازغ ولا بالفخ الخادع ، وعلى عاتقنا تقع مسؤولية العيش في ظل ما تفرضه من قيود ، وما تتيحه من فرص .
* الخـــاتمــــة :
إن التربية تغير أثوابها باستمرار ، وهي دائماً بنت العصر الذي تولد فيه ، وفي كل عصرٍ للتربية خصوصياتها تلونها العقائد الاجتماعية والدينية والسياسية . ومن أكثر أنواع التربية انتشاراً في العالم اليوم هي التي تقول بأن التربية هي الحياة نفسها ، ويجب أن تصمم المواقف التربوية بما يشبه مواقف الحياة نفسها . لكن "هربرت سبنسر" هاجم المناهج التربوية التي كانت سائدة في زمنه ، وأكد على المفهوم النفسي للتربية من طريق جعل التربية قائمة على أسس ثابتة من علم نفس الطفل.
وقال "جون ديوي " : " إن التربية مستمرة وليست جرعة تعطى مرة واحدة وإلى الأبد ، بل هي بحاجة إلى الاستمرار ، لأن العلم لديه دائماً شيء جديد يوافينا به " .
لكن هذا الجديد الدائم يخترق جميع مجالات الحياة ، ويتدخل في مجريات الحياة اليومية ... وخاصة معجزة العصر "الانترنت" . إن هذا الاتصال البشري الهائل هو نعمة ونقمة في الوقت نفسه ، وكما أنه اسهام رائع في تنمية العقل وتثقيفه، إلا أنه أيضاً مجال لتدمير الفكر والأخلاق الانسانية ، وهنا تأتي رسالة البيت في التربية ونمو ابنائها وتوعيتهم لهذه التطورات . فعلى الاسرة أن تشجع هذا التطور ، وتنمي الاستعمال الصحيح له من جهة مراقبة هذه الاجهزة ، لمنع الفيروس الأخلاقي من بلوغ أدراج المنزل لتدمير أخلاق ابنائنا .
إن الاولاد والشباب اليوم ، أكثر تآلفاً من والديهم على الانترنت ، ولكن هناك واجب أخلاقي وتربوي على الوالدين لمتابعة أبنائهم ، ومراقبة برامجهم لحمايتهم من أخطار الإباحية . إنه غزو جديد واستعمار معاصر دون سلاح ، وإنما في الفكر والعقل والوجدان .
إذاً علينا لمواجهة قيم العولمة الوافدة الخطيرة على شبابنا ومستقبلنا ، أن نؤسس نظاماً تربوياً جديداً يعترف بالتعلم على أساس الأداء الحقيقي الفعلي المتكرر . فليس المهم كيف نعلم الفرد وأين نعلمه ، بل المهم ماذا نعلمه ونوعية اتقانه للتعلم . وحتى نستطيع ذلك لا بد من إعادة النظر برأس العملية التربوية (الأهل _ المعلم) بحيث يجب أن نفعل دور الإثنين من خلال التعاون البنّاء بينهما في سبيل مراقبة واحاطة الأبناء بالرعاية اللازمة ... عندئذ ٍنستطيع مواجهة العولمة ، وتفعيل التنمية ، والبقاء في القرن الحادي والعشرين بهوية وتجربة .
مصادر ومراجع البحث :
1-الامام الغزالي "إحياء علوم الدين "
2- عبد الرحمن بن عايد "تربية الاولاد على الآداب الشرعية"
المصدر"شبكة نور الاسلام " 10/7/2006
3-بحث بعنوان " الزوجان وجوانب تربية الأبناء _ رؤية مشتركة "
المصدر " مفكرة الاسلام " 11/7/2006
4-عماد جمال الطويل : " العولمة والانترنت " _ " الانترنت في التربية البيتية "
5-د. عبد الرازق مختار محمود " أهداف التربية الدينية الاسلامية "
6- محمد علي القضاة " الاسلام وتربية الروح "
7-عبد الرحمن تيشوري " متى نؤسس لتربية عملية مستقبلية ... لمواجهة قيم العولمة ؟ "
8- "تربية الاطفال في رحاب الاسلام " ( بحث غير منسوب )
شارك في الإعداد :
الشيخ عادل الصايغ
*
والمعلمة حنان عبد الخاالق
الأحد مايو 08, 2011 5:27 am من طرف Samer Al Sayegh
» مباراة الشعر--
الثلاثاء مايو 03, 2011 8:15 pm من طرف هيثم فرج
» مباراة الشعر في اللغة العربية
الإثنين مايو 02, 2011 4:11 am من طرف hanin
» urgent
الخميس أبريل 28, 2011 5:55 pm من طرف Samer Al Sayegh
» المطالبة بإلغاء التصويت عن مباراة إالقاء الشعر الحلقة الرابعة (أ)
الإثنين أبريل 25, 2011 6:03 pm من طرف Samer Al Sayegh
» التصويت لمباراة القاء الشعر : الحلقة الثالثة ( ب )
الإثنين أبريل 25, 2011 4:08 am من طرف hanin
» التصويت لمباراة القاء الشعر : الحلقة الرابعة ( أ )
الإثنين أبريل 25, 2011 12:56 am من طرف Samer Al Sayegh
» التصويت لمباراة القاء الشعر : الحلقة الثالثة ( أ )
الأحد أبريل 24, 2011 12:40 am من طرف Samer Al Sayegh
» التصويت لمباراة القاء الشعر : الحلقة الرابعة ( ب )
الأحد أبريل 24, 2011 12:38 am من طرف Samer Al Sayegh